الأربعاء، 31 يوليو 2013

أقتبس نوراً







يسرني أحياناً أن أتلصص على أحلام أصدقائي، تعيد إليّ أحلامهم الثقة في الحياة وتمنحني بعض النور المقتبس من تفاؤلهم .. أحياناً أعيش بهذا السرور المسروق أياماً تُشرق من وحي أحلامهم، ثم حين ينتهي الألق أسير بالقصور الذاتي لأيام أخرى تالية، وأعود إليهم في نهاية المطاف أرمق النور عن كثب ..

جميلون هم ومشرقون على العكس مني، ربما لهذا السبب وحده أقترب منهم صامتة حتى لا ألمس مصدر النور بعتمة أفكاري ..

لا أريد لهم الإنطفاء ..

الثلاثاء، 30 يوليو 2013

استمع لي ..








لديّ ما أخبرك به .. هل تسمح لي ببعض من وقتك
أريد انتباهك كله لو تكرمت، أغلق هاتفك المحمول حتى أُنهي حديثي، لن يضرك أن تبتعد عنه لبضع دقائق، أدري أن كل ما تستقبله من رسائل لا يعدو أن يكون إعلانات تجارية أو تنبيهات مواقع التواصل، ستعود إليه بأسرع مما تظن، أغلقه تماماً ..


أريد أن أخبرك بشيء .. 
لا يبدو عليكَ الاهتمام الحقيقي، أتدري أني أحدّثك أنت ولا أحد سوانا هنا، لماذا تُصرّ على التظاهر بالانشغال حتى حين لا تفعل شيئاً، تشكّ أن ما لدي يستحق اهتمامك! استمع أولاً ثم احكم بعدها .. لا تحدّق إلى الطاولة كثيراً، ليست سوى مجموعة أخشاب صامتة، صدّقني هي لن تنطق ولو انتظرتَ دهراً .. 


الآن، ما أردتُ قوله هو ... 
هل تسمح بإغلاق التلفاز، لا تسكته، أغلقه كما أغلقت الهاتف، هل يمكنك وضع جهاز التحكّم بعيداً ! تعلم أني لا أكره التلفاز وليس بيني وبينه أي ثارات شخصية، وتعلم أني لا أعترض حين تلصق عينيك إليه طوال يومك، لا يهمني التلفاز أبداً، ولكن يهمني الآن ما أريد إخبارك به ولا شيء سواه، نعم هو شيء يخصّ كلينا وإلا ما أجهدتُ نفسي كل هذا الجهد، لا تدِر رأسك باستنكار، ألم توافق على الاستماع إلي لدقائق! لماذا تماطل إذن ؟؟


شكراً لك .. سأخبرك إذن وننهي هذا الدّوار 
تراقب الشباك الآن! حياة الجيران تثير فضولك أكثر من حياتنا ! لا بأس إذن .. أعترف أني مخطئة، ما كان يجب أن أتوقع غير ذلك، استمر في التجاهل أكثر، ستفاجأ قريباً بما لا يعجبك .. أعرف أنه لن يعجبك لهذا أشعر  بالشماتة مسبقاً .. 

.
.
ليس لديّ الآن ما أقوله .. 

رسالة أخرى إلى نفسي ..






ممَ تخشين
هذا هو الأمام الذي ادّعيتِ رغبتك للمضي إليه، هذا هو الذي طلبتِه بإلحاح مستمر، تخافين الآن ! بعد أن تبيّن لكِ المجهول واضحاً كرؤى الصالحين، وظهر القدر رقيقاً كقلب مؤمن ..  

الآن تخافين ويغمرك التردد، حين توضّحت كل الأشياء ولم يعد هناك خفايا، حين نادتكِ الأيام باسمك لتتقدمي وتجني ما اجتهدتِ في غرسه لفترة غير قصيرة، آن الأوان إذن فتقدمي .. خطوة تلوَ أخرى، نسيتِ مبادئ المشي وأولى قواعد الحركة فتعلمي من جديد، كم ادّعيتِ الحكمة والثبات بفخر وعناد، كم مضيتِ واثقة في طريقك بجلال مجاهدٍ يعرف سبيله نحو الآخرة ..


لا شيء من هذا يحميكِ الآن .. هذا هو الواقع بسطوته تواجهينه وحدكِ، ووحدكِ تتخذين ما يلزم للبدء أو الانتهاء، أنتِ في منطقة العدم التي غاب فيها كثيرون قبلك، استسلمي للتيار ولا تنتحبي، لاشيء يخيف سوى نفسكِ الطمّاعة، لا شيء هنا بالمرّة .. 

الأحد، 28 يوليو 2013

أخاف الأحلام




يحق لي أن أخاف الأحلام .. 

لا أتحدث عن الأحلام المستحيلة التي نتأملها في اليقظة بهيام ونتنازل عن حقنا في تحقيقها متحججين بصعوبتها، أتحدث عن أحلام المنام، المكان الأول الذي بدأت منه كل الحكايات، المنامات الغامضة التي نفسّرها بالطريقة التي تسعدنا ثم نصدق هذا التفسير، بعض المنامات واضحة كأنها أحداث يومٍ صافي، وبعضها متقطعة كفيلم رديء الجودة على قرص مهترئ في جهاز كمبيوتر قديم، المنامات المتقطعة الغريبة لا تستحق أن نخافها، أنا لا أخافها ! تخيفني الأخرى الواضحة .. 

يخيفني فيها هذا الوضوح، هذه الجودة العالية في العرض كأنها نبوءة يسربها لي القدر، كأني على موعد مع معجزة ستتحقق غداً أو بعد غد .. هو شيء يجلب التوتر في العادة حين يكون الحلم عادياً .. المخيف بحق حين يختلط فيها الظلام بالكآبة بزلزلة الخوف النابع من شخوص هذا المنام أنفسهم .. 


البارحة .. رأيت في المنام شيطاناً متنكراً على شكل بشر، كان يمشي معي ويحدثني وكنتُ أظن فيه الخير وأضحك معه على أشياء بسيطة، التفتُّ إليه في غفلة منه فأراني الله داخله، عرفت أنه شيطان وأخبرته بما عرفت 

" أنت شيطان ! " 
هكذا واجهته فابتسم بسخرية ولم ينظر إليّ، جريت إلى رفقائنا أريد تحذيرهم فسمّرني مكاني بنظرته السوداء .. خفتُ بقوةٍ أوضحَ من حقيقة وجودي .. خفتُ بزلزال داخلي سحب مني قوتي ويقيني، ارتجّ قلبي مكانه واعتمدتُ على الجدار جواري ألتمس فيه بعض القوة ثم التزمتُ الصمت .. أخفضتُ بصري ولم أتحرك، تركته يخدعهم كما يشاء

أذكر جيداً هذا المنام كأني أعيشه الآن في هذه اللحظة تحديداً .. صحوت حين خفّ الخوف دامعة العينين، تهتُ لفترة في الحدود الباهتة بين الوهم والحقيقة ثم حين استعدتُ وعيي كاملاً أجهدتُ ذهني في تذكّر آيات كتاب الله، تذكرت آية الكرسيّ بصعوبةٍ بالغة وقرأتها بصوت مرتجف .. تجاهلتُ هوة الخوف التي غرقتُ فيها قبل صحوي ثم نويتُ أن لا أبحث له عن تفسير وحاولتُ إقناع نفسي أن هذا من " أضغاث الأحلام " التي لا تفسير لها .. 


حاولتُ بغير كثير نجاح ..


وأنا يؤلمني وطني .. جداً







ثم جاء الصباح ..

هو صباحٌ نسي تألقه وفقد البريق، تلوّن بالأحمر قبل أن تجد الألوان فرصتها لتولد وتتلمس الحياة على خجل، تلوّن بأحمرٍ مشوّب بالرمادي ليذكرنا بعتمة تعودنا تناسيها، لم يعد فيه ما أحبه في الصباحات .. لم أعد أعرفه

صباحٌ آخر خالٍ من اية وعود سوى انتشار اللون المُقبض أكثر وأكثر، اول ما رأته عيناي هذا الصباح كان صورة ليس فيها غير السواد، سواد ممتلئ بخيالات فقد ووجع، مكتوب في منتصفه

( وطني يؤلمني .. ! )

ومن منا لا يؤلمه وطنه، وطني يوجعني منذُ يوم ميلادي، ولا يفتأ يعاود قتلي حيناً بعد حين، لا أجرؤ على الشكوى فليس تجدي الدموع، قصتي معه قصة وجع لا تنتهي، حتى انسحاب الوعي .. يؤلم مني العظام وأعماق الروح هذا الوطن الشقي، تعاسته تتسلل إليّ لتغمرني بالكآبة، يضغط على القلب ثقل واقعه المؤسف ..


ولا ينتهي الوجع ..

الخميس، 25 يوليو 2013

أحلاماً سعيدة





من الكرم أن تتمنى لي أحلاماً سعيدة، لن أعترض .. أعرف بالتأكيد أن الواقع لا يكون سعيداً إلا بالقدر الذي أستطيع أن أخدع نفسي به، أعرف أن ساعات السعادة مؤقتة جداً، محدودة ولا تستمر سوى لفترات قصيرة وربما تكون متقطعة، لا يمكن أن أعيش على ذكريات متفرقة للحظات هناء فرّن من رقابة الزمن .. ! 

أعترف أني بحاجة إلى الأحلام السعيدة، أحلام اليقظة والمنام على السواء، أحلام لا علاقة لها بالوطن الموجوع وما يحدث فيه، ولا شأن لها بأمنياتي المكبوتة وآمالي غير المحققة، بحاجة لشيء يشبه الطفولة ألقاً وحرية .. شيء من الراحة وخلوّ البال 

أذهب إلى النوم كل ليلة وأنا أمنّي النفس بحلمٍ جميل، ثم أصحو بعد ساعات من السباحة في العدم، أرمق الظلام الفارغ بأسى .. لم يتنزّل علي ما تمنيتُ من سعادة مخادعة ! لم أحلم الليلة أيضاً 

من أجل هذا يتسلل إليّ الفرح حين أسمع من يتمنى لي أحلاماً سعيدة، حتى حين يبدو واضحاً أنها مجرد تحية عابرة ينهي بها الحديث، أقنع نفسي بأنه وعدٌ بأن تزورني السعادة خلسة هذه الليلة، أسرع إلى النوم قبل أن تبرد التحية/الوعد وأتعجّل تلقيها بتهوّر طفولي 

أتمنى الكثير من الأحلام السعيدة، أما الواقع فلا أعرفه 

الأربعاء، 24 يوليو 2013

الضباب يسرد حكايتي





كلما استغرقت في التخطيط للحاضر هاجمني الماضي بعنف ذكرياته، وكلما استسلمتُ للغوص فيه انتزعني قلق المستقبل منه، ذهني مشتتُ بين ما كان وما سيكون حتى أصبح الحاضر غمامة غير واضحة المعالم، تحوّل إلى ضباب أرى منه أول الشارع ولا يمتد بصري إلى أبعد من ذلك .. 

حتى الذهن الضبابي يستدعي المزيد من الذكريات .. أذكر باص الجامعة الذي كنتُ اعتبره امتداداً لغرفة النوم، كنتُ أستغرق في النوم بمجرد أن أستقرّ على الكرسي وأحجز الآخر بجواري حتى تأتي صديقتي دون أن أنتبه وتجلس بهدوء حاملة كتبي وكتبها معاً، أذكر يوم قررت بطموح متزايد أن أصبح فوتوغرافية محترفة ! كانت لديّ كاميرا عادية من النوع الذي يضطرك للبحث عن استوديو ذو أسعار معقولة يحمّض الصور خلال يومين على أقل تقدير، منذ ذلك اليوم التصقت الذكرى بذهني، وأصبح الضباب لا يذكرني إلا بذلك الطريق الطويل، الكوبري الذي يبدو من خلال الضباب كأنه سيستمر حتى نهاية العمر، العربات السريعة التي تظهر من العدم لتختفي فيه مرة أخرى كأنها لمحة من الخيال، الهدوء المترقب كأننا بانتظار أن يظهر أمامنا جبل ثلجي يصطدم بنا ويغرقنا في دقائق معدودة .. 

كان خيالي خصباً وكان الضباب موحياً جداً .. أذكر أني ألصقتُ وجهي على النافذة ذلك اليوم أتأمل الطريق حتى أجد ما يستحق التصوير، وجدتُ الكثير مما أثار مخيلتي لتنسج قصصاً لا علاقة لها بالواقع، قصصاً عن العائلات التي تسكن البيوت الصغيرة المتناثرة على جانبي الطريق، أنصاف بيوت من الطوب الأحمر كأن بانيها فقد اهتمامه بشكل مفاجئ ونسي أن يكملها، قصص أخرى عن الطفولة المشرّدة، شيء يشبه الترعة الصغيرة يتراءى لي في عتمة الضباب، حوله أكوام من القمامة وطفلان حافيان يأكلان شيئاً لا أستطيع تمييزه ويضحكان بخفة ومرح، كان منظراً مؤسفاً أكثر منه موحياً ولكن ذلك لم يمنع خيالي النشط من تصوير قصة طويلة تحكي مولد الملائكة الصغار في وكر الشياطين وكيف يكبران ويتخلصان من العالم السفلي الذي يشدهما إلى الأسفل أكثر وأكثر، شجرة يتيمة متوسطة الحجم ظهرت فجأة في صفحة من الاخضرار المغبّش بالضباب، أثارني شكلها وظللتُ أتأملها حتى غابت عن ناظري، تخيلت قصة عاشقين صغيري السن ينسجان ذكرياتهما على جذعها ويبكيان عجزهما أمام سطوة الكبار، تخيلت عجوزاً يجلس إليها يستظل بها في يوم صيفي شديد الحرارة ليتذكر ملاكاً لوّنت سنوات عمره بالأبيض البرّاق حتى خذلته الأيام واختطفتها منه، تخيلت نفسي هناك أجلس إليها أستظل بها أنا أيضاً أكتب على ورقة صغيرة "هذه الأرض لي" ثم أمضي ..



كان إحساسي بالفراغ أكبر مني ومن رغبتي في الشهرة، كنتُ أبحث عن أرض تكون لي قبل أن أبحث عن صفةٍ أتقمصها وأتسمّى باسمها .. لم أحظ بأي صورة ذلك اليوم؛ كل ما استطعت الحصول عليه كان صفحة من الرمادي والأخضر وطيف شجرة مهزوزة مشوشة، تخليت عن رغبة الاحتراف في عالم التصوير بنفس السرعة، واحتفظتُ بالشجرة في أعماق روحي .. شعرتُ أن وحياً تنزّل عليّ ذلك اليوم وأني رأيت حيوات آخرين لا أعرفهم لأعرف من خلالهم ألمي الخفيّ وحلمي المتهدّم، عتمة الضباب استمرت لبقية الطريق لكن بعد أن أصبح ذهني صافياً لوهلة من الزمن، صافياً لدرجة عرفت معها ما أريد، وما أتمنى .. وما أستطيع الحصول عليه  

الثلاثاء، 23 يوليو 2013

ورد وموسيقى .. وحب





سأقنعكِ يوماً ان العلاقة بين الورد والحب والموسيقى علاقة تخيلية .. هي نتاج ثقافة استوحيناها من شاشات التلفاز، واخترنا أن نصدقها فقط لأنها مزيج أجمل من الحياة التي نعرفها ..

سأقنعكِ يوماً أن الورد قد يأتي وحده بكل الضياء الذي نحب رؤيته وقد يجعل الكون أجمل وأبهى بدون أن نربطه بمشاعر عابرة كالحب، وربما استطعت إقناعكِ أن الحب ليس بتلك الأهمية التي نسبغها عليه .. 

أما الموسيقى فهي عشق خاص .. ليست بحاجة إلى ورود أو عشاق لتكون وحدها زينة للأيام ومنبع أحلام جديدة، حياة أخرى جديدة تتسرب إلى روحي حين أسمع بعض المقاطع .. ومهما تحدثت عنها فلن تكفيني الكلمات 

ربما اكتفيت بالاستماع فقط .. بالانصات صامتة لأعرف نفسي أكثر 
وقد أتخلى عن اقناعكِ أيضاً .. 


الاثنين، 22 يوليو 2013

رسالة إلى نفسي ..



أرأيتِ كيف تبدو الصور القديمة أجمل، كنتِ تكرهينها قبل أن تتقادم، أرأيتِ كيف تبدين أكثر رقة وأصغر عمراً ! هو خداع بصر وحسب، لا شيء تغيّر منذ أُخذت هذه الصورة، نعم تفرق جميع من فيها وانتقل كل منهم إلى قارّة بعيدة يشكو توالي الأيام التي اعتراها الجفاف، نعم ازددتِ ألماً بدل أن تزدادي حكمة، نعم كبر الصغار وأصبح كل واحد منهم شابّا يُعتدّ برأيه .. نعم حدث كل هذا ولكن تظلين أنتِ أنتِ ..


لا شيء تغير حقيقة، كل ما هنالك أن زاد الأسى ضعفين وتشابه الحضور والغياب .. كل ما هنالك أنكِ تتمنين لو تفقدين الذاكرة قليلاً أو تعودي بالزمان إلى الوراء .. هل يمكن للأيام أن تصالحنا ولو مرة وتمشي القهقري بدلاً من مشيتها الرتيبة إلى أمام لا يُرى فيه سوى غصون جافّة ! هل يحق لنا أن نأمل أم هو أمل مهدور لا جدوى منه ..؟


أذكر جيداً تلك الليلة الصيفية حين التُقطت هذه الصورة، الصورة المائلة في أقصى اليمين.. نعم هذه؛ أذكرها كأنها البارحة، كنتِ تضحكين بشكل مبالغ فيه على نكتة مكررة، تكرارها هو ما أضحكك وأثار استهجان البقية، لطالما ضحكتِ على أشياء غريبة ولم يؤثر فيكِ سخرية من حولكِ، في تلك الليلة كان أفراد العائلتين قد اجتمعوا في الشرفة حتى ازدحمت بهم، أتذكرين ! كان العشاء عبارة عن وجبات متنوعة من مطاعم متعددة كأن بنا نهمٌ لتجربة كل شيء في ذات الوقت، كأن الوقت يداهمنا وينذرنا بإطلاق صافرة النهاية ! كان الطعام أكثر بكثير من المجتمعين فكان أن تلقينا محاضرة مطوّلة عن الإسراف حتى شعر بعضنا بالذنب وتجاهل بقيتنا الأمر، جدي كان يطالعنا باستغراب تلك الليلة، أذكر كيف ظلّ يتأملنا صامتاً لوقت طويل قبل أن يقول كلمته أخيراً
"يجب أن تنهوا هذا الطعام ولا يُرمى منه شيء"
تمنيتُ أن أراه اليوم لأخبره كم افتقدنا تلك الرفاهية البسيطة، اليوم لا نجد المزاج الرائق لتجربة أي جديد، ولا تسمح لنا الحياة بالتجمع كالسابق .. كان جدّي يعتقد أننا سنظل معاً بقية العمر، عائلة كبيرة مترابطة ! كان متفائلاً على الدوام .. رحمه الله 

الأحد، 21 يوليو 2013

فيما مضى ..



فيما مضى كان للوقت ألقٌ يحكي قصة عمر طفوليّ ..

كانت الأيام فرحاً متوهجاً .. وبضع بسماتْ

وكنّا نعرف كيف نفرح، وكيف نضحك

وكيف نسمي السعادة باسمها

ونعطي للفرح عنوانه ..


كنّا نعرف كيف نسترخي 

وكيف نسلم زمام القيادة للحظات الصفاء 

لنترك للحياة حرية المسير كيف تشاء 

كان فصلاً بهيجاً عشناه بما حمل من ألق 

ونسيناه كما سنُنسى بعد حين ..

مرثية رمضان فقد طعمه





رمضان الصيف هو نفسه رمضان الشتاء .. 

لم يكن الأمر بهذه البساطة سابقاً، كان لكل رمضان نكهته الخاصة، وزحامه الخاص، كان رمضان مرادفاً للمرح في أحيان كثيرة، كان مليئاً بالضحك في كل حين ..

هل هو الحنين ! لا .. هو الأسى لا غير 
أن تتشابه الأيام حتى تختلط ساعاتها، ثم يتشابه شهر الصيام مع غيره حتى يضيع التاريخ وتصبح الأعوام كلها يوماً واحداً مكررا .. هو شيء أكبر من الأسى ولا يشبه الألم التلقائي الذي يتولد من لسعة الذكريات .. لا آسف على الرمضانات المتشابهة بقدر ما أرثي نفسي، فقدتُ الكثير حتى الآن، ويبدو أني سأفقد الباقي قريباً جداً ..

سأمرّ بدار الذكريات عندما يخفت هذا الأسى، وسأبكي حين ينتهي جفاف الذهول وأقدر على مقاومة الأسف الطاغي .. سأحاول استعادة بعض ما مضى


يصغر الأمل كل حين ولكن لا يختفي .. سأحاول جهدي 

السبت، 20 يوليو 2013

حكاية أمل





سأُفضي إليكم بسرٍ لم أعرفه عن نفسي حتى الآن ... 



خُطِبت ماريا فشعرتُ بوطأة السن على كاهلي كأني كبرتُ فجأة وغادرتني روح الطفولة في خلسة من الزمان ! .. ماريا كانت هي مقياسي وإن لم أعرف ذلك حينها، أذكر جيداً تلك الليلة الصيفية ذات النسائم، حين اجتمعنا في الشرفة في سهرة للثرثرة، كنتُ أشكو تشابه الأيام ومللي منها، وكانت على العكس مني تماماً سعيدة بمسار الحياة كما نعيشها، أذكر كم كانت تسخر من ضيق أفقي، وكيف ظلّت تُخطط لمستقبلها من وحي خيالها الخصب .. 

لم يكن مجرد خيال، هذا ما عرفته مؤخراً .. حين أخبرتني أنها تنوي إنهاء دراستها الجامعية ثم الهجرة إلى بريطانيا، سخرتُ منها لصعوبة تحقيق ذلك، وحين أكملت أنها لن تتزوج إلا بعد أن تعيش هناك لمدة لا تقل عن الأربع سنوات حتى تستقر نفسياً ومادياً اعتبرتُ حديثها محض أحلام، ورغم ذلك أنتظرتُ أن يتحقق بأمل يتعاظم في داخلي .. وقد كان 

عاشت أيامها بالضبط كما أرادتها وبقي الختام الرومانسي الذي انتظرته، انتظرتُ هذا الخبر لسنوات طويلة، بفرح مبالغ استقبلته كصبي يُسمح له بحضور صلاة العيد لأول مرة .. سعيدةٌ أنا الآن أكثر من سعادتها هي شخصياً، وربما أكثر من سعادة أمها نفسها .. 

حين تتزوج ماريا سأكبر ضعفين من العمر، سأصل لمرحلة الطفولة مرة أخرى، أليست القاعدة هي أن كل ما زاد عن حدّه انقلب إلى ضدّه ! .. سأستعيد طفولتي آنذاك .. وروح المغامرة العفوية كذلك 

سأحتفل بكل ما أملك من سعادة، مرتين وأكثر .. وسأتوقف عن حساب الزمن  ..
لا تهمني السنوات بعد اليوم ..

الخميس، 18 يوليو 2013

أحلام مؤجلة .. حتى إشعار آخر





أقنعتني الأيام أن أحلامي القديمة طفولية جداً، وأن معظمها يستحق أن يُكتم ويُكبَت، ولأن الطفولة لم تعد في متناول يدي قررتُ التنازل عن جميعها بهدوء تام .. لم أتمسك بها وأصرخ بعناد كما أردت

أقنعتني الأيام أن الترّحل لعنة كُتبت عليّ، وكنت في طفولتي أعشق الرحيل جيئة وذهاباً، كنتُ أحبه كما يجب البشر الطبيعيون السياحة في مواسم الضجر، تمنيتُ حينذاك أن أجد الفرصة للطواف حول العالم على منطاد بطيء الطيران لأجد الفرصة لتصوير كل ما أراه من موقعي العالي، وحددتُ على خريطتي البلدان التي سأتوقف عندها لأشهر، لم تستهوني فرنسا كثيراً إذ كنتُ أراها وطن المرفهين، في المقابل عشقتُ إيطاليا خفية كما لم أعشق أي بلاد أخرى ، وما زلتُ أخشى الاعتراف بذلك ..


إيطاليا أحببتُها حقاً وعشتُ على أمل الذهاب هناك يوماُ ولو لساعات قلائل، لم يكن سبب حبي لها أن خريطتها تشبه الحذاء النسائي ذو الكعب العالي، لم يكن سببه ما اختزلته في مدنها من جمال خجول، لا أدري أنا نفسي حتى الآن .. ربما لغتهم السهلة هي السبب


تنازلتُ طواعية عن هذا الحلم أيضاً كما تنازلتُ عن البقية، حلم الكتابة كان آخر الأحلام التي قررتُ التنازل عنها فإذا بالأقدار تُفاجئني على غير انتظار بتحقيقه ! لم يكن لي يدٌ في ذلك .. وبدل أن أفرح بهذه الهدية السماوية، إذا بأحلامي القديمة تُحاصرني بالذكرى، تُطالبني بالمساواة بينها وبين الحلم الذي تم تحقيقه أخيراً، الكتابة نفسها ما تزال حلماً يتفاقم، (مجموعة واحدة قصصية - وكتاب جماعي) هذا هو كل ما نشرته مطبوعاً وهو لا يكفي، ليس هذا ما كنتُ أحلم به، كنتُ أراني – في حلمي الطفوليّ – أحتلّ مكتباً فخماً خصصته لي دار نشر معروفة لتطلب مني تسليم أعداد السلاسل التي أكتبها أول كل أسبوع وطابور طويل من القرّاء المعجبين يصطفّ أمام الباب .. مُبالغة طفولية ! أعرف ذلك


الحقيقة الأخرى التي أخفيها منذ زمن، هي أن التنكّر لأحلامي الطفولية يؤلمني ويُفقدني هويتي، أشعر بالتيه كلما تقمصتُ أحلام الآخرين، أحلامي تلك رغم تقادمها هي كل ما كنتُ عليه، هي أنا التي أعرفها ولا تشبهني " أنا " الحاليّة في شيء .. كانت عادتي أن أستقي الحلم من رواية قرأتها مؤخراً، (بيار روفاييل) جعلني أتمنى الذهاب إلى لبنان في الشتاء وزيارة القمم الثلجية لجبالها، (أجاثا كريستي) جعلتني أرغب بالذهاب إلى لندن والتعرّف عن كثب على المدن الريفية الهادئة جوارها، (نبيل فاروق) جعلني أحبّ مصر قبل أن أنتقل إليها بسنوات، وزحام شعراء الأندلس حببّ إليّ السفر عبر الزمان .. إلى الأندلس التي كان يجب أن أولد فيها وأعيش أحداثها المترفة بدل عصر الجفاف الذي نحاول ابتلاعه على مضض ..


مكاني ليس هنا .. أفكّر في استعادة شخصيتي القديمة وهويّتي الأولى، أفكّر جدياً في استعادة الحلم الضخم المتشعب الذي كان يُبعد عني مرارة الواقع في أحيان كثيرة، ربما أستعيد بعض انطوائي السابق أيضاً، ربما أكون " أنا " مرة أخرى لو فعلتُ ذلك .. بالتأكيد سأكون أكثر سعادة، ,سأعشق الحياة نفسها لو تخلّيتُ عن التفكير المنطقي وعدتُ لما كنتُ عليه قبل أن تقنعني الأيام بالتنازل عن ذاتي القديمة .. ربما أعود للفرح باختياري !

الاثنين، 15 يوليو 2013

سلالم لا تؤدي إلى الأعلى







 من عادة السلالم أن تساعد من يتسلقها وترفعه إلى الأعلى، بعض السلالم البليدة لا تفعل ذلك..


هذا ما فكرت فيه وهي تنظر إلى زوجها المستلقي أمام شاشة التلفاز بكسل، تأملته بندم وتمنت لو لم تكن بهذا التهّور الذي دفعها إلى قبول الزواج به لمجرد انه تقدّم لخطبتها .. تزوّجته لكل الأسباب الخاطئة، تزوجته لأن ابنة عمها تزوجت، ولأن أختها الصغيرة خُطبت، تزوجته لأنها رأت ابنة الجيران تتباهى بالسيارة التي اشترتها بعد زواجها .. وتزوجته لأنها لم تجد شيئاً آخر تفعله في حياتها


لم يمضِ عليها يوم واحد خالٍ من الندم منذ عرفته، هو لم يؤذِها بأفعال درامية كما في المسلسلات العربية، لم يعذبها كما في أفلام الرعب الأمريكية، لم يدلّلها كما في أفلام الأنيمي اليابانية، لم يختفِ من حياتها كما في قصص الحب التي قرأتها .. هو باختصار لم يفعل أي شيء


حاصرها بالملل، بشخصيته الكسولة المستسلمة، لم تستفد شيئاً من زواجها به، لم تتغير لا إلى الأفضل ولا حتى إلى الأسوأ .. كم تمنت لو أعطاها مبرراً واحداً لافتعال مشكلة، لربما استطاعت التخلص من فقاعة الملل الخانقة حولها، كانت تظنه سلماً ترتقي به إلى الحياة الاجتماعية، تصل به إلى سطح المجتمع لتقف باسمة هناك بفخر .. عرفت بعد فوات الأوان كم كانت أفكارها سطحية، واكتشفت بالطريقة الصعبة كم كانت طفولية في تعجّلها


عادت تتأمل زوجها المستلقي أمام شاشة التلفاز يغالب النعاس، منذ عرفته وهو لا يفعل سوى العودة من العمل مبكراً والاستلقاء أمام هذه الشاشة، كأنه يعيش على هامش الحياة، شعرت معه أنها أقل من أن تحظى حتى بالحياة الهامشية التي يعيشها، هو – على الأقل - يخرج للعمل كل صباح، أما هي .. هي تظل هنا تقبع في الظل بانتظار عودته، ثم تقبع في الظل بعد عودته حتى لا تفسد عليه استرخاءه، هي لم تعد إنساناً .. أصبحت مجرد ظل منذ ارتبطت به ! غادرتها إنسانيتها ولم تعد سوى كيان باهت مرتبط به .. لم تعد تعرف نفسها منذ عرفته أصبحت سلماً آخر مهجور، لا يؤدي إلى أي مكان 

الأحد، 14 يوليو 2013

مساء عابر





هذا المساء أحاول التخلص من سواد ما علق في قلبي صدفة، شخص عابر لا أعرفه قرر أن يشوه شكل يومي على سبيل التسلية، رمى في وجهي عبارات كدرت نقاء يومي قليلاً ثم مضت لحالها .. عاد الضجر وبقي أثر من السواد العابر !

أحاول بكل جديّة ترتيب أحداث حياتي حسب الأكثر أهمية، فتختلط في دوامة غير منطقية، لا يهمّ .. سأتخلص منها كلها فهي ماضٍ لا معنى له، لا يحددني الماضي ولا يعرّف عني بشيء، الماضي مضى والمستقبل هو الشيء الوحيد الذي يمكن أن يفيدني في هذه اللحظات، يجب أولا أن أخرج من صندوق الذكريات الذي فرشته جيداً لأستطيع الحياة فيه، جربت فعل ذلك مرات من قبل لكني عدت أتسلل إلى الصندوق بعد برهة من الزمن ..

يحدث فعلاً أن يسود الضجر حياتي فأترك كل شيء طواعية، لا أهتم بالماضي وأحداثه ولا بالمستقبل وما يجب أن يكون عليه، أتفرغ لترميم داخلي المتهدّم، ليس من أثر الجفاف العاطفيّ كما يقول درويش بل من أثر "الاحتشاد العاطفي"، الضجر نفسه يتولّد من هذا الاحتشاد، كثيرة جداً تلك الأشياء التي أحبها وأريدها بقوة، أشياء أريدها الآن في هذه اللحظة تحديداً، وكثيراً ما أتعجّل في الحصول عليها، حتى تختلط علي الأمور وتغوص في دوامة من الدوار ثم تنتهي إلى صفحة من الإحباط، ويتبقى اللون الأبيض المقيت .. لأول مرة أكتشف لمَ لا أستسيغ اللون الأبيض ! البياض فراغ، ووحدة قاتلة، يأسٌ وسأم، البياض هو لون الإحباط، وشكل التوقّف والجمود .. البياض هو المرض في أولى خطواته المتخفية

لا أجد نفسي في اللون الأبيض، ولا في أي لون حقيقة ! أتمنى لو يوجد مكان خالٍ تماماً من الألوان، لأحظى بالحرية التامّة من الانتماءات المتضاربة، لأتحرر حتى من الحياد .. وأختار ما أريده للحظة القادمة بدون فرضيات مسبقة، وبدون أن أتوه بين ما كان وما سيكون وما لا أريد له أن يكون ..

هذا المساء .. سأحاول التحرر قليلاً، سأستمع إلى شيء من أغاني الأربعينات التي لا أعرفها، سأقرأ مقالات سياسية لأشخاص أعرف أن فكرهم لا يعجبني في العادة، سأشاهد مسرحيات مغمورة، سأتحرر من مزاجي نفسه وأعود للضحك بدون أسباب واضحة، لن أعيش على أمل التغيّر " يوماً "، سأتغيّر باختياري وقتما أشاء .. وأصير ما أريد ..

السبت، 13 يوليو 2013

بعض عفوك يا الله




ندوّن اليوم عن روحانيات شهر الصيام  !
وماذا أعرف عن الروحانيات لأتحدث عنها .. ؟
الروحانيات عالم آخر لا أرى منه سوى ترددي 
أن ترى النور يشعّ أمامك .. ثم تقف على المدخل دون حراك  
هذا شعوري حين أخشى الدعاء خجلاً من كثرة ذنوبي
النور أمامي أكاد ألمسه، أعرف أن الفَرَج قريب 
أعرف يقيناً أن دعوة واحدة من عمق القلب تغسل ما علاه من درن 
ولكن الخجل يغمرني .. 
هل أستحق هذا العفو الربّاني! أنا الأَمة الآبقة من شرع ربها !
مُقصّرة أنا ولا أجرؤ أن أدّعي الصلاح 
كلما رفعت يديّ إلى السماء تحاصرني ذنوبي أكثر .. ويمنعني الخجل 
أشعر بالنفاق المحض حين أبدأ الدعاء .. فأتراجع بتردد أكثر

أعرف كل جرائمي التي أخفيتها عن عيون البشر .. 
جرائمي التي تناسيتُها وتظاهرت أني لم أقم بها 
هل أستحق أن أنساها جميعها ! وأن يتنزل عليّ عفو ربي 
بفضل شهر الغفران .. 
هل أستحق أن أدلف إلى النور بقلب مطمئن !

رباه .. ألهمني بعض عفوك يا رحيم 
أنتَ وحدك تدري ضعفي وحيرتي 
وحدك تعلم جميع ذنوبي 
ووحدك تعرف ما بقلبي من ندم 

هبني بعض عفوك يا رحمن يا رحيم
أسألك العفو يارب ..
العفو والعافية يا غفور يا حليم

الجمعة، 12 يوليو 2013

صدق





"مرح الأطفال" الشيء الوحيد غير القابل للتزييف في عالمٍ قلّ فيه الصدق..

ضحكة صاخبة من القلب مباشرة، وابتسامة عريضة يلوح فيها المعنى الحقيقي للفرح، وشيء من السكاكر ! 

هكذا تصبح الحياة أجمل ..

الخميس، 11 يوليو 2013

أمواج باردة





هذا مستقرنا المريح .. حمامة هائمة مرّت بنا ذات مرّة وتركت ظلها على الحائط ، بحرٌ ما جوارنا يتنصت كل يوم، يصفع الرصيف المبتل مرة تلو الأخرى، يمارس عنفوان شبابه بكل ما أوتي من جبروت .. سماء فارغة من الوعود تراقب عن كثب، وطائر وليد متردد الخطى يقف عند قدمي في وجل .. أتأملّه ويتأملني ..
رفيقي صامت كقبر، منشغل بكتابه حتى حدود الغرق، وأنا أجلس كعادتي بهدوء، أناجي الطائر القلق .. فيم تفكّر أيها المجّنح الصغير ! ليس هذا اليوم للقلق .. ولا أي يومٍ آخر

هذا المكان ليس لك يا صديقي المتردد أنت ما زلت في أول العمر، هذا المنفى الجميل لأمثالي، لمن نسيهم أبناؤهم وحصد وجه الحياة الأسود نصف أصدقائهم، أتدري أن للحياة وجهاً أسود ! كلا .. ليس الموت، هناك ما هو أسوأ من الموت يا صغير، وهو ما يعانيه من تبقى من الأصدقاء، لستُ قلقاً فقد عرفت طعم الحياة حتى مللته، وتعودت أن أنتظر هنا بهدوء كل يوم حتى ساعات المساء المبكر حين يهدأ البحر ويتوقف عن صفع الرصيف، أنتظر حتى يبدأ البرد يتخلل عظامي الضعيفة أصلاً ثم أدق على الشباك أثناء قيامي من مجلسي ليفتحوا لي الباب، لم أعد أملك القوة الكافية لأنتظر واقفاً ..

منفى جميل أجلس فيه بهدوء أنتظر أن تقرر الحياة شكل يومي القادم، أتدري أني لم أعد أبالي .. هو الضجر أيها المرتجف، صغير أنت على هذه الكلمة ولا أظنك تفهمها، هل تفهم الضجر؟! أن تجلس كل يوم تحت شباك دارك تنتظر قرار الحياة بشأن مصيرك، وما إذا كنت سترى الوجه المظلم قريباً ! لن تفهم يا صغير .. لا تحاول  


سأقوم بعد قليل أيها الطائر الوليد فتوقف عن مراقبتي، لن تتعلم جديداً هنا، اذهب لتعيش حياتك وطِر بعيداً ناظراً إلى الدنيا بأعين نهمة، ستعود إلى برودة هذه الأمواج حين تصبح مثلي، حين تنهي دورة أيامك وتبدأ الانتظار .. حلّق إذن واترك القلق، القلق ليس للطيور يا رفيق 

الأربعاء، 10 يوليو 2013

كأنا ما كبرنا




-        أتذكر تلك الليلة المظلمة حين كدنا نموت برداً !
-        نعم أذكر كم ضحكنا على بواب العمارة حين شاهدناه من النافذة يشعل ناراً ليدفأ بها ثم يهرب فزعاً لمّا شاهد قوة اشتعالها
-        كنا مفعمين بالمرح والشباب
-        بل كنا خاليين من الهموم
-        لا أذكر أني ضحكت بذلك الاندفاع منذ تلك الليلة
-        أنا أذكر ضحكاتك المختلسة، كنتِ توشكين على الاختناق بالضحك كلما رأيتِ شخصاً يسقط أو ينزلق أرضاً وهو يشوّح بيديه كمن يتعلم السباحة
-        هذا المنظر بالذات مضحك جداً .. يجب أن تعترف أنك كنت تخفي ضحكاتك بالسعال كل مرة
-        ليس في كل مرة
-        بلى ..كل مرة كنت تضحك خفية ثم تفتعل السعال
-        أذكر مرة لم أضحك فيها .. ولم أضحك من بعدها على أي شيء
-        تقصد حين انزلقت أمام مدخل البيت واصطدم ظهري بالدرجات المؤدية إلى الباب .. أظنه كان منظراً مضحكا
-        لم يكن .. تلك اللحظات بالذات كانت عمراً من الفزع، ظننتُ أني خسرتكِ للأبد، تخيلت أن رأسك هو ما اصطدم بالدرجات وكاد قلبي يتوقف لدقيقة .. أظنني بكيت يومها ! لا أذكر سوى الصدمة والألم
-        لم يكن الأمر يستحق كل هذا
-        في مثل عمرنا هذا كل انزلاقة موتٌ شبه مؤكد
-        جارتنا تدحرجت على درجات سلم بيتها حتى سقطت أمام المنزل كشوال قمح، ولم يحدث لها شيء
-        هذا لأنها بسبعة أرواح
-        لم أحدثها منذ ذلك اليوم .. كلما حاولت زيارتها تذكرت المنظر واستغرقت بالضحك
-        رأيتها أنا أيضاً ذلك اليوم، كنت أقف في الناحية الأخرى من الشارع مع صاحب البقالة الذي هرب حين رآني أقهقه فجأة بدون أن يعرف السبب!
-        أليس غريباً أن نكون وحدنا من ينتبه لمثل هذه الأمور، وربما وحدنا من يضحك منها
-        أظنه غريباً بعض الشيء .. لكن يظل مضحكاً
-        يا إلهي .. يبدو أننا مجنونان
-        بل مفعمان بالمرح والشباب