الخميس، 18 يوليو 2013

أحلام مؤجلة .. حتى إشعار آخر





أقنعتني الأيام أن أحلامي القديمة طفولية جداً، وأن معظمها يستحق أن يُكتم ويُكبَت، ولأن الطفولة لم تعد في متناول يدي قررتُ التنازل عن جميعها بهدوء تام .. لم أتمسك بها وأصرخ بعناد كما أردت

أقنعتني الأيام أن الترّحل لعنة كُتبت عليّ، وكنت في طفولتي أعشق الرحيل جيئة وذهاباً، كنتُ أحبه كما يجب البشر الطبيعيون السياحة في مواسم الضجر، تمنيتُ حينذاك أن أجد الفرصة للطواف حول العالم على منطاد بطيء الطيران لأجد الفرصة لتصوير كل ما أراه من موقعي العالي، وحددتُ على خريطتي البلدان التي سأتوقف عندها لأشهر، لم تستهوني فرنسا كثيراً إذ كنتُ أراها وطن المرفهين، في المقابل عشقتُ إيطاليا خفية كما لم أعشق أي بلاد أخرى ، وما زلتُ أخشى الاعتراف بذلك ..


إيطاليا أحببتُها حقاً وعشتُ على أمل الذهاب هناك يوماُ ولو لساعات قلائل، لم يكن سبب حبي لها أن خريطتها تشبه الحذاء النسائي ذو الكعب العالي، لم يكن سببه ما اختزلته في مدنها من جمال خجول، لا أدري أنا نفسي حتى الآن .. ربما لغتهم السهلة هي السبب


تنازلتُ طواعية عن هذا الحلم أيضاً كما تنازلتُ عن البقية، حلم الكتابة كان آخر الأحلام التي قررتُ التنازل عنها فإذا بالأقدار تُفاجئني على غير انتظار بتحقيقه ! لم يكن لي يدٌ في ذلك .. وبدل أن أفرح بهذه الهدية السماوية، إذا بأحلامي القديمة تُحاصرني بالذكرى، تُطالبني بالمساواة بينها وبين الحلم الذي تم تحقيقه أخيراً، الكتابة نفسها ما تزال حلماً يتفاقم، (مجموعة واحدة قصصية - وكتاب جماعي) هذا هو كل ما نشرته مطبوعاً وهو لا يكفي، ليس هذا ما كنتُ أحلم به، كنتُ أراني – في حلمي الطفوليّ – أحتلّ مكتباً فخماً خصصته لي دار نشر معروفة لتطلب مني تسليم أعداد السلاسل التي أكتبها أول كل أسبوع وطابور طويل من القرّاء المعجبين يصطفّ أمام الباب .. مُبالغة طفولية ! أعرف ذلك


الحقيقة الأخرى التي أخفيها منذ زمن، هي أن التنكّر لأحلامي الطفولية يؤلمني ويُفقدني هويتي، أشعر بالتيه كلما تقمصتُ أحلام الآخرين، أحلامي تلك رغم تقادمها هي كل ما كنتُ عليه، هي أنا التي أعرفها ولا تشبهني " أنا " الحاليّة في شيء .. كانت عادتي أن أستقي الحلم من رواية قرأتها مؤخراً، (بيار روفاييل) جعلني أتمنى الذهاب إلى لبنان في الشتاء وزيارة القمم الثلجية لجبالها، (أجاثا كريستي) جعلتني أرغب بالذهاب إلى لندن والتعرّف عن كثب على المدن الريفية الهادئة جوارها، (نبيل فاروق) جعلني أحبّ مصر قبل أن أنتقل إليها بسنوات، وزحام شعراء الأندلس حببّ إليّ السفر عبر الزمان .. إلى الأندلس التي كان يجب أن أولد فيها وأعيش أحداثها المترفة بدل عصر الجفاف الذي نحاول ابتلاعه على مضض ..


مكاني ليس هنا .. أفكّر في استعادة شخصيتي القديمة وهويّتي الأولى، أفكّر جدياً في استعادة الحلم الضخم المتشعب الذي كان يُبعد عني مرارة الواقع في أحيان كثيرة، ربما أستعيد بعض انطوائي السابق أيضاً، ربما أكون " أنا " مرة أخرى لو فعلتُ ذلك .. بالتأكيد سأكون أكثر سعادة، ,سأعشق الحياة نفسها لو تخلّيتُ عن التفكير المنطقي وعدتُ لما كنتُ عليه قبل أن تقنعني الأيام بالتنازل عن ذاتي القديمة .. ربما أعود للفرح باختياري !

هناك تعليقان (2):

  1. تدوينة تفتح بابا إلى عالمك :)
    كم هي الأحلام عنيدة أحيانا

    دام لك التألق

    ردحذف
    الردود
    1. دام لك الخير أخي رشيد :) سعيدة بحضورك المتألق دائما

      حذف