طفولة

تقول لي هامسة : 

- أتمنى أن أكون أماً، فقط لأسمع كلمة ماما من شفتي طفل بريء..

تعجبت من عبارتها المستهلكة، كدتُ أخبرها أنها تقلّد ما تقرأه في الكتيبات الدعوية المنتشرة هنا وهناك، كادت تفلت مني عبارات الاستنكار لهذا التقليد الأعمى، وقبل أن أتلفظ بأي شيء رأيت ما جعلها تتلهف إلى أن تكون أماً .. طفل صغير يتعثر في مشيته التي تعلمها قريبا كما يبدو، لونه كلون الشوكولاتة الناعمة، شوكولاتة بالحليب ! هذا بالضبط هو اللون الذي أحبه .. 

للأطفال سطوة كبيرة على النفس، بمقدورهم تغيير يومك كله حين يضحكون، فقط حين يضحكون، لا أدري كيف تستطيع الأمهات تحمّل أطفالهم الصاخبين، الباكين على الدوام، مبتلّي الأوجه والثياب! هي أشياء صعبة التحمّل وتحتاج إلى شخص ذي قدرات خارقة، قدرات لا يستطيع الرجال ادّعاءها .. هذه الفكرة الأخيرة تدفعني للابتسام دائماً في شماتة، يسعدني أن أرى العجز الرجاليّ بعد كل الخطب التي تقال في قوة الرجال وسطوة الرجال وسيطرة الرجال وأفضليتهم، أشعر أن من واجبي الشماتة حين أرى عجزهم وتخبطّهم .. لا يستطيع الرجال التعامل مع الأطفال طوال الوقت، ربما سيطر أحدهم على طفل واحد لساعات قلائل ولكن الأمر ينتهي دائماً بنوبة عصبية يتعرض لها كلاهما، حتى تتدخل الأم لتهدئة الاثنين سوياً ! 

شماتتي لم تستمر لوقت طويل للأسف .. أنا أيضاً لا أقدر على تحمّل طفل واحد أكثر من ساعات قلائل ! أعشق ضآلة الأطفال وضعفهم، بشرتهم الناعمة كأنها كريمة طريّة صالحة للأكل، أعشق ضحكاتهم حين ينظرون إلى الفراغ فنتخيل أنهم يناجون ملائكة أتت خصيصاً لأجلهم، أحب الاستماع إلى تأتأتهم وهم يتعلمون الكلمات الأولى وطريقتهم في التلوّي عند الخجل .. هذا كل شيء ! لا أستطيع تحمّل الصخب والبكاء، ولا أقدر على التماسك أمامهم أكثر من سويعات .. هل أنا رجل إذن !!